الدعوة الإسلامية إلى تفعيل المجتمع المدني.
. بقلم/ د.عاطف إسماعيل أحمد
نحن نعيش في عالم قوامه اللغوي يربو على 3000لغة عالمية ومحلية . ( 1 ) و واقعنا العربي على هذه الشاكلة من التخلف والتبعية والخضوع، إلى جانب التطور الاجتماعي الاقتصادي المشوه والقهر الوطني والقومي، ف كيف يمكن لهذا الواقع أن يتعاطى بصورة جدلية مع مفاهيم المجتمع المدني بالمعنى التاريخي والحديث والمعاصر ؟ ( 2 ) فلابد من إقامة حوار صريح ومفتوح بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين. كما أن الثقافة الديمقراطية ، تعني في جوهرها حماية حرية التفكير والمعتقد والتعبير ، وتوفير الإطار المعرفي والقانوني والاجتماعي لتحصين حرية الإبداع والاجتهاد من أية مصادرة أو تهديد ، وبالتالي فإنّ كل المجتمع مدعو إلى توفير الشروط لإنجاز هذا التحوّل.
فالفقه الإسلامي يحوي ثروة تشريعيّة ضخمة تمدّ المجتمع المدنيّ بما يحتاجه من قوانين تنظِّم سلوك الأفراد وعلاقاتهم المختلفة ، وتنظِّم ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات ، وما يرتبط بالسّلطة والأسرة والأمن والقضاء وشؤون المال والمؤسّسات والعلاقات الدوليّة ..إلخ . وعندما تتحدّد البُنية القانونيّة للمجـتمع ، ويشعر كلّ فرد فيه بالأمن على حقوقه وواجباته ، بتحقّق السِّيادة للقانون ، تستقرّ الحياة الاجتماعية ، ويترابط الأفراد فيما بينهم برابطة الاحترام والتعاون ، فيتعايشون في ظلِّ الأمن الاجتماعي الّذي يكفله القانون وتنفِّذه السّلطة ورقابة المجتمع والضمير .. فالقانون الإسلامي يتمتّع بضمانة تنفيذيّة فريدة غير أداة السّلطة والقوّة ، وهي الإحساس بوجوب الطّاعة لله ، وبالجزاء الأخروي : { وَأُزلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتّقِينَ غَيْرَ بَعِيد * هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّاب حَفِيظ * مَنْ خَشِيَ الرّحمنَ بالغَيْبِ وجاءَ بِقَلْب مُنِيب } . ( 3 ) ولأنّ مصدر التشريع الإسلامي هو الله سبحانه ، العالِم بما خلق ; لذا فانّ القـانون الإسلامي يقوم على أساس العلم الواقعيّ والتشخيص الواقعيّ للقضايا التي ينظِّمها القانون . فالعقيدة الواحدة هي الجامع بين أفراد المجتمع والقوّة الرّوحيّة التي تؤلِّف بين أبنائه ، وتجمع أفراده ضمن وحدة إنسانية متماسكة ، قال تعالى : { والمُؤْمِنُون والمُؤْمِنات بَعْـضُهُم أوْليـاءُ بَعْض يأمُرُونَ بالمَعْـرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ المُنْكَر } . ( 4 ) { والّذينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولئكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْض ... } . ( 5 ) { إنّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُم } . ( 6 ) فالفرد المسلم يشعر في المجتمع الإسلامي بأنّ العلاقة بينه وبين الآخرين هي علاقة أخوّة وحبّ وولاء وتماسك . «أوثق عُرى الإيمان ; الحبّ في الله والبغض في الله» ( 7 ) .«مَثَل المؤمنين في تَوادِّهم وتراحُمِهِم وتعاطُفِهِم كَمَثلِ الجَسَد ; إذا اشْتَكى منهُ عِضو تداعى لهُ سائرُ الجَسَدِ بالسّهْرِ والحُمّى» ( 8 ) وليس المجتمع الإسلامي مجتمعاً مُغلقاً على غير المسلمين ، أو سلبي تجاههم; بل هو مجتمع إنساني مُنفتِح يتّسع لأصحاب الدِّيانات السّماويّة، ويتعامل بروح إنسانيّة عامّة .. يوضِّح هذه الحقيقة السيرة العمليّة للرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعامله مع أهل الكتاب ، وما ورد في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة وفي كتب الفقه من أحكام تتعلّق بحقوق أهل الكتاب المقيمين في ديار المسلمين . قال تعالى : (يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِن ذَكَر وأُنْثى وَجَعَلْناكُم شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُم ). ( 9 ) فالمجتمع الإسلامي تؤسّس أواصر العلاقة فيه على أساس العقيدة والإنسانية ، وبذا يُشكِّل المجتمع الإسلامي بنية إنسانية متعايشة . فقد شهد المجتمع المدني توسعاً هائلاً من حيث نطاق عمله وحجمه وقدراته. وأصبحت منظمات المجتمع المدني لاعباً أساسياً في مجال المساعدات الإنمائية العالمية، فالفرد خُلِقَ ليعيش ضمن حياة جماعيّة ، وتكوّنت حياة الإنسان الفكريّة والحضارية والمدنيّة في ظلِّ المجتمع وفي إطار الجماعة، لأنّ ما لدى الإنسان من حضارة وموجودات وعلوم وتقنيّة بشريّة هي نتاج التكامل بين الجهود والطّاقات والتعـاون و الإحساس بالوعي الاجتماعي ، كما يبرز العنصر الأخلاقي في مجاله الاجتماعي ، الّذي قد يعطي فيه الفرد ولا يأخذ ، أو قد يعطي ويأخذ ، فهو يتلقّى من المجتمع الأمن والتربية والرّعاية وتوفير الخدمات التّي لم يبذل جهداً مباشراً فيها . لذا نجد القرآن يدعو إلى التعاون بقوله : { ...وَتَعاوَنُوا على البِرِّ والتّقْوى وَلاَ تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوان... } ( 10 ) ليوفِّر الوعي المدني والاجتماعي للإنسان ، فيفهم أنّ الحياة الجماعيّة حياة تكامليّة ، فالحياة الاجتماعيّة والشكل المدني المتحضِّر للمجتمع هو عبارة عن وحدة متكاملة من الجهود والمواقف السلوكيّة ، يختار الإنسان آليّات التنفيذ المناسِبة للظّروف والإمكان والمرحلة ومستوى الحياة الاجتماعيّة التي يحياها الإنسان . ( 11 )
الهوامش
( [1] ) انظر : - R.RK. Hartmann And F.C. Stark,Dictionary Of Language And Linguistics. London, 1973, P . 267.
( 2 ) انظر : المجتمع المدني في الوطن العربي، سعيد بن سعيد العلوي وآخرون، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1992، ص46.
( 3 ) سورة ق / 31 ـ 33.
( 4 ) سورة التّوبة / 71
( 5 ) سورة الأنفال/ 72
( 6 ) سورة لحجرات / 10
( 7 ) مصنف ابن أبي شيبة - (ج 7 / ص 226)) شعب الإيمان للبيهقي - (ج 1 / ص 17)
( 8 ) صحيح مسلم - (ج 12 / ص 468)
( 9 ) سورة لحجرات / 13
( 10 ) سورة المائدة / 2.
( 1 1 ) انظر : د.كريم أبو حلاوة / مجلة عالم الفكر / العدد الثالث - يناير / مارس / 1999م ، ص12.
[img]
. بقلم/ د.عاطف إسماعيل أحمد
نحن نعيش في عالم قوامه اللغوي يربو على 3000لغة عالمية ومحلية . ( 1 ) و واقعنا العربي على هذه الشاكلة من التخلف والتبعية والخضوع، إلى جانب التطور الاجتماعي الاقتصادي المشوه والقهر الوطني والقومي، ف كيف يمكن لهذا الواقع أن يتعاطى بصورة جدلية مع مفاهيم المجتمع المدني بالمعنى التاريخي والحديث والمعاصر ؟ ( 2 ) فلابد من إقامة حوار صريح ومفتوح بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين. كما أن الثقافة الديمقراطية ، تعني في جوهرها حماية حرية التفكير والمعتقد والتعبير ، وتوفير الإطار المعرفي والقانوني والاجتماعي لتحصين حرية الإبداع والاجتهاد من أية مصادرة أو تهديد ، وبالتالي فإنّ كل المجتمع مدعو إلى توفير الشروط لإنجاز هذا التحوّل.
فالفقه الإسلامي يحوي ثروة تشريعيّة ضخمة تمدّ المجتمع المدنيّ بما يحتاجه من قوانين تنظِّم سلوك الأفراد وعلاقاتهم المختلفة ، وتنظِّم ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات ، وما يرتبط بالسّلطة والأسرة والأمن والقضاء وشؤون المال والمؤسّسات والعلاقات الدوليّة ..إلخ . وعندما تتحدّد البُنية القانونيّة للمجـتمع ، ويشعر كلّ فرد فيه بالأمن على حقوقه وواجباته ، بتحقّق السِّيادة للقانون ، تستقرّ الحياة الاجتماعية ، ويترابط الأفراد فيما بينهم برابطة الاحترام والتعاون ، فيتعايشون في ظلِّ الأمن الاجتماعي الّذي يكفله القانون وتنفِّذه السّلطة ورقابة المجتمع والضمير .. فالقانون الإسلامي يتمتّع بضمانة تنفيذيّة فريدة غير أداة السّلطة والقوّة ، وهي الإحساس بوجوب الطّاعة لله ، وبالجزاء الأخروي : { وَأُزلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتّقِينَ غَيْرَ بَعِيد * هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّاب حَفِيظ * مَنْ خَشِيَ الرّحمنَ بالغَيْبِ وجاءَ بِقَلْب مُنِيب } . ( 3 ) ولأنّ مصدر التشريع الإسلامي هو الله سبحانه ، العالِم بما خلق ; لذا فانّ القـانون الإسلامي يقوم على أساس العلم الواقعيّ والتشخيص الواقعيّ للقضايا التي ينظِّمها القانون . فالعقيدة الواحدة هي الجامع بين أفراد المجتمع والقوّة الرّوحيّة التي تؤلِّف بين أبنائه ، وتجمع أفراده ضمن وحدة إنسانية متماسكة ، قال تعالى : { والمُؤْمِنُون والمُؤْمِنات بَعْـضُهُم أوْليـاءُ بَعْض يأمُرُونَ بالمَعْـرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ المُنْكَر } . ( 4 ) { والّذينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولئكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْض ... } . ( 5 ) { إنّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُم } . ( 6 ) فالفرد المسلم يشعر في المجتمع الإسلامي بأنّ العلاقة بينه وبين الآخرين هي علاقة أخوّة وحبّ وولاء وتماسك . «أوثق عُرى الإيمان ; الحبّ في الله والبغض في الله» ( 7 ) .«مَثَل المؤمنين في تَوادِّهم وتراحُمِهِم وتعاطُفِهِم كَمَثلِ الجَسَد ; إذا اشْتَكى منهُ عِضو تداعى لهُ سائرُ الجَسَدِ بالسّهْرِ والحُمّى» ( 8 ) وليس المجتمع الإسلامي مجتمعاً مُغلقاً على غير المسلمين ، أو سلبي تجاههم; بل هو مجتمع إنساني مُنفتِح يتّسع لأصحاب الدِّيانات السّماويّة، ويتعامل بروح إنسانيّة عامّة .. يوضِّح هذه الحقيقة السيرة العمليّة للرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعامله مع أهل الكتاب ، وما ورد في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة وفي كتب الفقه من أحكام تتعلّق بحقوق أهل الكتاب المقيمين في ديار المسلمين . قال تعالى : (يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِن ذَكَر وأُنْثى وَجَعَلْناكُم شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُم ). ( 9 ) فالمجتمع الإسلامي تؤسّس أواصر العلاقة فيه على أساس العقيدة والإنسانية ، وبذا يُشكِّل المجتمع الإسلامي بنية إنسانية متعايشة . فقد شهد المجتمع المدني توسعاً هائلاً من حيث نطاق عمله وحجمه وقدراته. وأصبحت منظمات المجتمع المدني لاعباً أساسياً في مجال المساعدات الإنمائية العالمية، فالفرد خُلِقَ ليعيش ضمن حياة جماعيّة ، وتكوّنت حياة الإنسان الفكريّة والحضارية والمدنيّة في ظلِّ المجتمع وفي إطار الجماعة، لأنّ ما لدى الإنسان من حضارة وموجودات وعلوم وتقنيّة بشريّة هي نتاج التكامل بين الجهود والطّاقات والتعـاون و الإحساس بالوعي الاجتماعي ، كما يبرز العنصر الأخلاقي في مجاله الاجتماعي ، الّذي قد يعطي فيه الفرد ولا يأخذ ، أو قد يعطي ويأخذ ، فهو يتلقّى من المجتمع الأمن والتربية والرّعاية وتوفير الخدمات التّي لم يبذل جهداً مباشراً فيها . لذا نجد القرآن يدعو إلى التعاون بقوله : { ...وَتَعاوَنُوا على البِرِّ والتّقْوى وَلاَ تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوان... } ( 10 ) ليوفِّر الوعي المدني والاجتماعي للإنسان ، فيفهم أنّ الحياة الجماعيّة حياة تكامليّة ، فالحياة الاجتماعيّة والشكل المدني المتحضِّر للمجتمع هو عبارة عن وحدة متكاملة من الجهود والمواقف السلوكيّة ، يختار الإنسان آليّات التنفيذ المناسِبة للظّروف والإمكان والمرحلة ومستوى الحياة الاجتماعيّة التي يحياها الإنسان . ( 11 )
الهوامش
( [1] ) انظر : - R.RK. Hartmann And F.C. Stark,Dictionary Of Language And Linguistics. London, 1973, P . 267.
( 2 ) انظر : المجتمع المدني في الوطن العربي، سعيد بن سعيد العلوي وآخرون، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1992، ص46.
( 3 ) سورة ق / 31 ـ 33.
( 4 ) سورة التّوبة / 71
( 5 ) سورة الأنفال/ 72
( 6 ) سورة لحجرات / 10
( 7 ) مصنف ابن أبي شيبة - (ج 7 / ص 226)) شعب الإيمان للبيهقي - (ج 1 / ص 17)
( 8 ) صحيح مسلم - (ج 12 / ص 468)
( 9 ) سورة لحجرات / 13
( 10 ) سورة المائدة / 2.
( 1 1 ) انظر : د.كريم أبو حلاوة / مجلة عالم الفكر / العدد الثالث - يناير / مارس / 1999م ، ص12.
[img]